ولاء حسين
مؤامرة عالميّة وراء اختفائه… ما زال رجال الصناعة والمسؤولون في مصر يبرّرون ذلك بتكرار هذه العبارة لدى سؤالهم عن سبب تدهور إقتصاد القطن، بعد ما كانت مصر رائدة العالم في إنتاجه ويقوم إقتصادها عليه، وتوفّر من خلاله العملة الأجنبيّة بوصفه الأكثر قيمة على المستوى العالميّ في صناعة الغزل والنّسيج.
ورغم أهميّة هذا المحصول المصريّ الفريد، فشلت الحكومات المصريّة المتعاقبة على مدار الـ20 سنة الأخيرة في إصلاح إنتاجه، الّذي تعتمد عليه مدن مصريّة كاملة مثل مدن المحلة الكبرى, وكفر الدوار, أنشأ فيها جمال عبد النّاصر مصانع ضخمة للغزل والنّسيج، وهي متوقّفة عن العمل حاليّاً منها صباغي البيضا والحرير الصناعي وهذه الأزمة تهدّد مليون و200 ألف عامل مصريّ، وتتسبّب باستمرار الخسائر الّتي بلغت عن عام 2014 ما قيمته 1.8 مليار جنيه مصريّ.
وما زالت نقابات عدّة كنقابة الغزل والنّسيج في مصر تؤكّد وجود مؤامرة عالميّة لتدمير صناعة الغزل والنّسيج المصريّة لحساب صناعة الملابس المستوردة، مع استمرار سياسات الحكومات المصريّة المتعاقبة في التخلّي عن دعم الفلاّح المصريّ في زراعة القطن المصريّ ذي الشهرة العالميّة، في الوقت الّذي تدعم فيه دول عدّة مثل الهند وتركيا هذه الصناعة بنسب تصل إلى 30 في المئة.
وتتّجه الحكومة المصرّية حاليّاً إلى تحجيم زراعات نوعيّة القطن المصريّ “طويل التيلة”، الّذي كانت تتميّز به مصر عالميّاً كأجود أنواع القطن، بعدما برّرت وزارة الصناعة المصريّة الأمر بانخفاض معدّلات الطلب على استخدامه، والّتي لم تعد تتجاوز 3 في المئة إلى 5 في المئة من سوق الحاجات العالميّة.
وعن أبعاد هذه المؤامرة العالميّة، تحدّث نقيب الفلاّحين في مصر محمّد برغش لـ”المونيتور” فأكّد أنّ هذه المؤامرة على القطن المصريّ تتبنّاها خمس دول، هي: باكستان، بنغلاديش، أميركا، الصين والهند، وتقوم هذه الدول بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة بإغراق الأسواق المصريّة بقطن منخفض الجودة وبسعر رخيص نسبيّاً بهدف إخراج مصر من مجال زراعة القطن.
وقال: “للأسف، تتعاون الشركة القابضة لصناعة الغزل والنّسيج المصريّة مع هذه الدول، وتستورد قنطار القطن بـ600 جنيه مصريّ، في الوقت الّذي تتكلّف فيه هذه الدول ما قيمته 4.5 جنيهات لكيلو الغزل، وتبيعه في مصر بـ2.5 جنيه مصريّ”.
وشدّد على أنّ الدولة (مصر) تعلم ذلك جيّداً، وأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تدعم فدّان القطن بـ700 دولار وتكتفي بالمشاهدة، علما أنّ هناك مليون قنطار قطن في بيوت الفلاّحين المصريّين لا يستطيعون تسويقها بسبب الإغراق.
وأشار برغش إلى أنّ سياسات الدولة المتعلّقة بالزراعة ستؤدّي إلى عواقب وخيمة على كلّ الزراعات المصريّة، بما فيها القطن، سائلاً: هل يعقل أنّ عيّنت مصر 10 وزراء زراعة منذ عام 2011 حتّى عام 2015 بمتوسّط 5 أشهر لكلّ وزير؟ وأصبح 51 مليون فلاّح مصريّ مهدّدين بالخروج من مجال الزراعة بسبب سياسات وزارة الزراعة الفاشلة، ممّا ينذر بكارثة في الأمن الغذائيّ المصريّ خلال الفترة المقبلة، وقال: هذا فضلاً عن بيع المحالج المصريّة الّتي تقوم بفصل القطن كمادّة خامّ عن البذور، مما أدّى إلى خروج 60 في المئة من قدرة هذه المحالج وتحويلها إلى الأنشطة العقاريّة.
وإنّ تدهور خواص القطن المصريّ بسبب الزراعة الخاطئة يشكّل أحد أهمّ أسباب انهيار صناعة النّسيج المصريّ، وليس تلك المهاترات الخاصّة بالمؤامرة الّتي يتذرّع بها البعض في شأن اختفاء القطن المصريّ وانهيار صناعة الغزل والنّسيج، وذلك وفقاً لما أكّده رئيس غرفة الصناعات النسيجيّة الأسبق محمود القليوبي لـ”المونيتور”، مشيراً إلى أنّ سياسات وزارة الزراعة الخاطئة كانت السبب في ارتفاع تكلفة جمع محصول القطن المصريّ، حيث يجمع يدويّاً، ممّا يؤدّي إلى أن تصل تكلفة الجمع اليدويّ وحدها إلى 30 في المئة من تكلفة المحصول بالكامل، وهذه تكلفة مرتفعة إذا ما تمّت مقارنتها بمحصول القطن الأميركيّ الّذي يجمع آليّاً، وتصل تكلفته إلى 10 في المئة من المحصول بالكامل، وانخفاض غلّة الإنتاج المصريّ إلى 5 قنطار، في الوقت الّذي زادت فيه المعدّلات العالميّة إلى 16 قنطاراً.
وقال القليوبي: يتطلّب جمع محصول القطن آليّاً إدخال الهندسة الوراثيّة في زراعته واستخدام أساليب متطوّرة في الريّ، بحيث يأتي مستوى المحصول على ارتفاع واحد من الأرض، حتّى لا يكون هناك هدر كبير فيه”.
وأوضح أنّ تفتيت الأرض الزراعيّة منذ بداية عهد الزّعيم جمال عبد الناصر أدّى إلى انخفاض الإنتاج لأنّ تطبيق الأنظمة الحديثة في الزراعة والريّ يتطلّب مساحات كبيرة، وقال: “إنّ تدهور القطن المصريّ سواء أكان في الإنتاج أم في ارتفاع تكلفة إنتاجه أثّر في شكل كبير على صناعات الغزل والنّسيج، إذ لم يتمّ توفير البديل المستورد. وفي حال تمّ استيراد القطن فالسعر الّذي سيطرح به لن يكون بالسعر العالميّ، إنّما بأسعار تحدّدها وزارة الزراعة”. اعتادت مصر تصدير القطن طويل التيلة واستيراد قطن أقل في الجودة لتشغيل مصانع النسيج.
أضاف: رغم كلّ ما سبق، فإنّ صناعة النّسيج المصريّ سواء أكان الملابس أم المفروشات أم الغزل تصدّر إلى الخارج بما قيمته “3 مليار دولار”. كما تصدّر إلى سوقي الإتحاد الأوروبيّ والأميركي، وهما من أكثر الأسواق تدقيقاً في معايير الجودة. ويمكن مضاعفة قيمة الصادرات إذا حلّت المشاكل الجذريّة المتعلّقة بصناعة النسيج، والّتي تعتمد على إصلاح منظومة زراعة القطن.
وشدّد القليوبي على أنّ صناعة النّسيج على المستوى المحليّ تواجه منافسة شرسة من صناعات النسيج القادمة من الهند وبنغلاديش والصين، وقال: على المسؤولين أن يعلموا أنّ زراعة القطن وصناعة النسيج هما قضيّتان لهما أبعاد إجتماعيّة، بجانب الأبعاد الإقتصاديّة، فصناعة النّسيج من الصناعات الكثيفة العمالة. لذا، فإنّ عدم حلّ مشاكلها قد يؤدّي إلى عواقب اجتماعيّة وخيمة.
إنّ الذهب الأبيض هو مسمّى القطن المصريّ عند الفراعنة، بينما أحد لا يعرف إلى متى سيظلّ أحفادهم من المصريّين يتذرّعون بالمؤامرات العالميّة كبديل عن مواجهة فشلهم في إصلاح منظومة زراعته، بل وإصلاح منظومة السياسات الزراعيّة المصريّة في أكملها.
ولاء حسين هي رئيسة تحرير قسم الأخبار البرلمانيّة في “روز اليوسف”، وهي خبيرة في الشؤون الإفريقيّة، وقد كان لها تعاون مع قناة النيل في إطار كتابة نشرات الأخبار وإعدادها.