هل أتاكَ نبأ المشروع المصري العملاق الذي يهدف إلى توسيع قناة السويس؟
إن لم تلفت انتباهكَ هيبة الجنرالات العسكريين، بنياشينهم التي ينوء بحملها عنترة، وهم يعلنون عن تدشينه، ربما قرع سمعك صوت المسئولين الحكوميين، بلهجة الحكماء العالمين ببواطن الأمور، وهم يتحدثون عن مزاياه، أو على الأقل اقتحم الإعلام اللحوح عقر بيتك ليكرر على مسامعك ما قاله السابقون وأكثر.. بل ربما تأثَّر قلبك، ودمعت عيناك، على وقع الأهازيج الوطنية وشعارات الانتماء التي تلاحقكَ عبر الراديو والتلفاز أينما حللتَ وحيثما ارتحلتَ.
لكن ما لم يخبركَ به هؤلاء جميعًا – وسلطت الصحف والمواقع والوكالات الأجنبية الضوء عليه – أن لهذا المشروع – بشكله الحالي – وجهٌ بالغ الظلمة؛ ليس اقتصاديًا فقط، بل وبيئيًا أيضًا، فضلاً عن أضرار اجتماعيَّةٍ شديد الوطأة على شريحةٍ أحنى ظهرها تقصير الدولة المزمن..
السطور التالية تستعرض أبرز الانتقادات التي يوجهها الخبراء والمراقبون للمشروع الجديد:
(1) هدم منازل المواطنين، ومصادرة أراضيهم الزراعية، وتهجير مئات العائلات بدون تعويض أو مهلة كافية للبحث عن بدائل للسكنى والعمل
وفي هذا السياق نشر موقع ميدل إيست آي (“قناة السويس الجديدة” تشرِّد أكثر من ألفي شخص في مصر) تقريرًا أشار إلى “تدمير أكثر من ألف منزل منذ بداية سبتمبر، ومصادرة أراضٍ زراعية، دون تعويض أو توفير سكن بديل”.
ونقل الموقع التصريح الذي أدلت به شيرين الحداد، محامية بعض العائلات المشردة، لموقع مدى مصر: “لم تعرف هذه العائلات عن الإخلاء إلا قبل أسبوعٍ واحد، وهي فترة قصيرة جدًا. ولم تتلقَّ أي تعويض مادي. ولم تحصل سوى على الوعود من المسئولين”. مضيفة: “بالإضافة إلى ألفي شخص آخرين مهددين بالتشريد”.
بدورها برَّرت السلطات عمليات الهدم على أساس أن غالبية أراضي شبه جزيرة سيناء مملوكة للجيش والدولة، رغم أن هؤلاء المشردين – بحسب “ميدل إيست آي – يعيشون فوق هذه الأرض منذ قرابة ثلاثة عقود، ظلوا خلالها يدفعون فواتير المياه والكهرباء لمحافظة الإسماعيلية، وهو ما يعني ملكيتهم لها بحسب القانون.
أحد هؤلاء الضحايا يُدعى إبراهيم السيد، وهو مزارع مانجو وأحد النازحين من قرية الأبطال، لم يعلم بقرار إخلاء منزله وأرضه إلا قبلها بعشرة أيام فقط، لم يتمكن خلالها من العثور على مسكن جديد، فكانت النتيجة أنه فقد منزله وأرضه ومصدر دخله.
المفارقة الأكثر إثارة للانتباه أن “إبراهيم” صوَّت، هو وعائلته “لقائد الانقلاب” السيسي، ولا يزال يقول إنه سيصوِّت له مرة أخرى في الانتخابات القادمة. يقول ذلك رغم تصريحه لـ مدى مصر بأنه تقدم هو وأقاربه للعمل في المشروع، لكن المسئولين رفضوا عندما علموا أنهم نازحون من قرية الأبطال.
(2) التسرُّع في بدء تنفيذ المشروع، قبل استكمال ما يكفي من الدراسات
وهو ما أسفر عن ظهور مشكلات فنية لاحقة. وهي الملاحظة التي أشار إليها بيير كاتيو، المسئول في مجموعة ديمي، لـ رويترز، قائلاً: “استغربنا كثيرًا من سرعة طرح المشروع في السوق، وسرعة تسلمُّه، وسرعة تسليمه المرتقب”.
(3) تضخيم جدواه الاقتصادية
فما بين تصريح “السيسي”: “سيشهد المصريون عهدًا اقتصاديًا جديدًا يعتمد على قوة الشعب” وتبشير وزيرة القوى العاملة بحكومة الانقلاب، ناهد عشري، بأن المشروع سيوفر مليون فرصة عمل، وسيطوِّر 70 ألف كيلومتر على جانبي القناة، فضلاً عن استصلاح وزراعة قرابة أربعة ملايين فدان.
لكن في ظل تأكيد نيل ديفيدسون، كبير مستشاري الموانئ والمحطات في شركة دروري للبحوث البحرية ومقرها لندن، أن “القناة الجديدة لن تؤدي بالضرورة إلى زيادة التجارة، ولكن تطوير المحور وما حوله قد يكون مربحًا”.
لا يوجد تفسير لهذا التضخيم سوى تصريح مسئول في قناة السويس لـ رويترز، ضمن تقريرٍ أعده أوليفر هولمز وستيفن كالين، أن “القناة الجديدة سترفع عائدات قناة السويس من حوالي خمسة مليارات دولار إلى 13.5 مليار دولار”، ليس الآن ولا بعد عامٍ، ولكن “بحلول عام 2023″. أي بعد قرابة عشرين عامًا.
هكذا تتضح الصورة أكثر!
(4) تحديد موعد غير واقعي للانتهاء من المشروع
بالإضافة إلى تصريح بيير كاتيو المذكور في النقطة الثانية، قال وليام مورشيسون، المسئول في Great Lakes: كان التحدي متعلقًا بحجم المشروع وإطاره الزمني. ونقل ستيفن كلين، في رويترز، عن الفريق مهاب مميش، قوله: من أجل إتمام العمل خلال سنة واحدة، كان من الضروري الاستعانة بآلات حفر ضخمة ودولية؛ لأن كمية التجريف الرطبة كانت كبيرة جدًا”.
ونقلت ميدل إيست آي عن الفريق مهاب مميش أن التكلفة الإجمالية للمشروع ستكون 4 مليارات دولار، وسيكتمل في غضون خمس سنوات. مشيرةً إلى أن القناة الأصلية التي تربط بين البحرين الأبيض والأحمر استغرق حفرها 10 سنوات. وبينما الأصل أن يستغرق المشروع ثلاث سنوات لإنهائه، (شدَّدَ “السيسي” على أن يتم ذلك في عام واحد!).
(5) غياب الشفافية
تحت عنوان “مصر تتعاقد مع ست شركات عالمية لتعميق قناة السويس الجديدة، أشار ستيفن كلين، في رويترز، أن “مميش لم يوفر أي تفاصيل مالية حول العقود”. وكعادة المشروعات التي تشهدها مصر خلال الفترة الأخيرة، أعلن “السيسي” أن القوات المسلحة “ستكون هي المسئولة عن المشروع لأسباب أمنية”. حتى الشركات العشرين الأخرى التي فتح الباب أمام إمكانية مشاركتها، قيدها بقوله: “لكن تحت إشراف عسكري”. ما يجعل المشروع برمته يفتقر إلى الشفافية لـ”دواعي أمنية”.
(6) الأضرار البيولوجية
كما نشرت الصحف الغربية عدة تقارير تشير إلى الأضرار البيولوجية المحتملة لمشروع قناة السويس الجديد، كان آخرها التقرير الذي نشرته الجارديانالبريطانية وأعده مراسلها باتريك كينجسلي، وأشار فيه إلى أن مخطط قناة السويس “يهدد النظام البيئي والنشاط البشري في البحر الأبيض المتوسط”، ونقل عن علماء وباحثين دوليين أن القناة الجديدة تنذر بغزو المزيد من الكائنات البحرية الضارة للبحر المتوسط عبر البحر الأحمر، ويحتمل أن يمتد الضرر المحتمل إلى المنطقة ككل. وذكر أن 18 عالمًا بيولوجيًا طالبوا بالضغط على مصر لإجراء تقييم للآثار البيئية المحتملة جراء توسيع القناة.
وما هذا كله إلا غيضٌ من فيضِ النقد الذي وجهه الخبراء، ووسائل الإعلام الأجنبية المرموقة، مما لن تقرأه في وسائل الإعلام المصرية، التي تعتبر انتقاد المشروع عملاً غير وطني، وتشبهه بالهجوم المفاجئ على دولة الاحتلال الصهيوني عام 1973، أحد أعظم اللحظات في التاريخ المصري الحديث.
عن http://www.elshaab.org/